تحول لعبة تقليدية إلى مشروع استثماري بـ ملايين الدولارات

تحول لعبة البلوت إلى الشاشات الرقمية

تشهد لعبة البلوت التقليدية، التي تُعتبر واحدة من أهم رموز الثقافة الشعبية في السعودية، انتقالاً ملحوظاً من المقاهي في جدة إلى منصات الهواتف الذكية، مما أثار اهتمام المستثمرين الذين يسعون للاستفادة من نمو شعبيتها. في نهاية أغسطس، قامت شركة «إمباكت 46»، التي تتخذ من الرياض مقراً لها، بالاستحواذ على شركة «كملنا»، المطورة للنسخة الرقمية من اللعبة، في صفقة وصلت قيمتها إلى 53 مليون دولار. وقد تجاوزت النسخة الإلكترونية من اللعب 6 ملايين تنزيل، مما يدل على وجود أكثر من مليون مستخدم نشط شهرياً عبر الهواتف وأجهزة الكمبيوتر. وأكد إريك هوسني، المدير المشارك للاستثمار في «إمباكت 46»، على أن نجاح «كملنا» يشير إلى أن المنتجات ذات الجذور الثقافية تلقى صدى واسعاً بين اللاعبين في المنطقة، مشيراً إلى أن هذا الارتباط يفتح آفاقاً واعدة لتحقيق عائدات من خلال الإعلانات والاشتراكات.

تطور الألعاب الرقمية

تعتبر لعبة البلوت مثالاً لنموذج يحمل قيمة ثقافية عميقة، مع وجود نظام إيرادات ناجح، حسبما أوضحت لوسي تشاو، المستثمرة المتخصصة في الشركات الناشئة في مجال الألعاب. يضم فريق «كملنا» أكثر من 40 موظفاً، مما يجعلها إحدى أكبر الشركات المستقلة في مجال الألعاب داخل السعودية. وفي أعقاب الاستحواذ، تخطط «إمباكت 46» لتحسين تجربة المستخدم في التطبيق عن طريق إضافة ميزات جديدة وتطوير منتجات أخرى، فضلاً عن التوسع في الأسواق الإقليمية والدولية. تأتي هذه الخطوة ضمن استراتيجية شاملة لتعزيز وجود الشركة في سوق الألعاب؛ حيث أطلقت في مارس 2024 صندوقاً خاصاً بالألعاب بقيمة 40 مليون دولار، واستثمرت حتى أغسطس أكثر من 6.6 مليون دولار في خمس شركات تطوير ألعاب، وهي: «فاهي»، و«إن جاي دي»، و«غيم كوكس»، و«ستارفانيا»، و«ألباكا».

وأشار هوسني إلى أن «إمباكت 46» تسعى لتكرار نموذج «كملنا» الناجح في استثماراتها المستقبلية، مع مراعاة الاختلافات بين الأسواق، حيث تحقق الإعلانات نتائج أفضل في الأسواق ذات القوة الشرائية المحدودة بينما تبرز الاشتراكات والمشتريات داخل التطبيقات في الأسواق الأكثر تطوراً. أكدت تشاو أن استثمار «إمباكت 46» يعكس زيادة الثقة في قطاع الألعاب في الشرق الأوسط، مشيرة إلى أن السعودية تسعى لتعزيز موقعها في الساحة العالمية للألعاب والرياضات الإلكترونية. تتماشى هذه الجهود مع استراتيجية وطنية طموحة تهدف إلى إنتاج 30 لعبة من بين أفضل 300 لعبة عالمياً بحلول عام 2031، وفقاً لتصريحات رئيس «الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية». رغم هذا الطموح الكبير، يرى المراقبون أن نجاح الألعاب المحلية مثل البلوت يمثل خطوة أساسية نحو تحقيق الأهداف المرجوة، من خلال توفير محتوى يعكس الهوية الثقافية السعودية. وفي هذا السياق، اعتبرت تشاو أن استثمار «إمباكت 46» يُعتبر البداية في هذا الاتجاه، لكنه بالتأكيد لن يكون الأخير، مع استمرار تزايد الاستثمارات في المحتوى المحلي الذي يُبرز التراث الثقافي السعودي.