جريدة الرياض: الوقاية أولى خطوات مواجهة التنمّر المدرسي

التنمّر المدرسي.. الوقاية أول الحلول

تشكل ظاهرة التنمّر تحديًا اجتماعيًا دائمًا، خاصةً في المؤسسات التعليمية، مما يؤثر سلباً على التطور النفسي للأطفال ويقوض ثقتهم بأنفسهم وقدراتهم على التفاعل الاجتماعي والإبداع. التنمر يُعَدُّ عاملاً مدمراً في البيئة المدرسية، إذ يُزرع الخوف والقلق في نفوس الطلاب، بعكس الأجواء المطمئنة والمحفزة التي ينبغي أن تخيم على المدرسة.

نحتاج إلى إدخال حصص تفاعلية في حل النزاع والتعاطف مع الآخرين

وفقًا لتعريف وزارة الصحة، يعد التنمّر تجسيدًا للعنف والسلوك العدواني المتعمد والمتكرّر من قبل فرد أو مجموعة، مما يسبب المعاناة للشخص المستهدف سواء على الصعيد الجسدي أو النفسي أو الأكاديمي. وعلامات التعرض للتنمر تشمل إصابات جسدية، وأنماط نوم غير طبيعية، والخوف من الذهاب إلى المدرسة، بالإضافة إلى تغييرات في الشهية والسلوك العام.

تعتبر المدرسة بيئة حاضنة لظاهرة التنمّر، إذ يجب أن تتحمل مسؤولية رصد هذه السلوكيات والحد منها. فإذا غاب الإشراف وضعفت الأنظمة المعاقبة، فسيجد التنمّر مكانه بسهولة. يسهم نقص البرامج التوعوية في استمرار المشكلة، حيث يفتقر كثير من الطلاب إلى الوعي بما يتعلق بالفروق بين الدعابة والسلوك الضار. كما أن بعض المعلمين قد لا يمتلكون التدريب الكافي للتعامل مع هذا الصدد، مما يجعلهم أقل استعدادًا للتدخل عند رصد الحالات.

يعد التنمّر أيضًا تمثيلًا لنظام اجتماعي أعقد يتأثر بالقيم والعلاقات داخل المجتمع. إذ يُنظر أحيانًا إلى القوة والهيمنة كمظاهر للقبول والاحترام، مما يعزز ثقافة الاعتداء. لاسيما أن وسائل التواصل الاجتماعي قد زادت من تعقيد المشكلة، حيث بات التنمر الإلكتروني جزءًا من حياة الطلاب اليومية، مُتجاوزًا حدود المدرسة.

يعتبر الوعي المجتمعي عنصرًا هامًا في التصدي للتنمر، إذ لا بد من تصحيح النظرة العامة التي تعتقد أن التنمر يوصف كنوع من “المزاح”. وفي كثير من الأحيان يجد الضحايا أنفسهم بلا دعم اجتماعي، ويُعزَلوا، مما يزيد من معاناتهم. وبالإضافة إلى ذلك، تشكل الأبعاد الاقتصادية والثقافية عاملًا أساسيًا وراء التنمر، مما يعكس الفروق الاجتماعية والتقلبات في المجتمع.

إن التصدي للتنمر يتطلب استراتيجيات شاملة تتجاوز الحلول السطحية. يجب دمج الأسرة والمدرسة والمجتمع في تشكيل بيئة إيجابية تُوقف انتشار هذه الظاهرة، والبدء بتعزيز التربية السليمة في المنازل يعكس أهمية دورها. ينبغي إجراء برامج توعية للأهالي حول كيفية التعرف على علامات التنمر. ومن الضروري أن تتبنى المدارس برامج وقائية تعليمية للتحسيس بالمهارات الاجتماعية، وتعزيز التفاهم والاحترام بين الطلاب.

أيضًا، تبرز أهمية وجود آليات أمان للإبلاغ عن التنمر، الأمر الذي يتيح للضحايا التعبير عن معاناتهم دون خوف من الانتقام. ويجب أن تشارك وسائل الإعلام بشكل فعال في محاربة الظاهرة، بالإضافة إلى المبادرات التطوعية التي تعزز الإبلاغ الإيجابي والدعم بين الأقران. وبتطوير الأنظمة التعليمية وتشديد القوانين، تكون المجتمعات أكثر قدرة على حماية الأفراد من آثار التنمر الضارة، وتشجيع الأجيال القادمة على خلق بيئة آمنة للنمو.