تخصيص الأندية السعودية: تحول استثماري نحو الاحترافية
في خطوة تاريخية تبرز تحول المملكة العربية السعودية نحو اقتصاد أكثر انفتاحًا واحترافية، أعلنت وزارة الرياضة بالشراكة مع المركز الوطني للتخصيص عن تخصيص الأندية الثلاثة: الأنصار، الخلود، والزلفي. هذه العملية تمثل تحولًا جذريًا في نموذج إدارة الأندية، حيث ينتقل الدعم الحكومي إلى نموذج من الشراكة الاستثمارية، مما يمهد الطريق للريادة في القطاع الرياضي.
تحول إدارة الأندية الرياضية
تمت عملية نقل ملكية نادي الأنصار إلى شركة عودة البلادي وأبناؤه، بينما استحوذت مجموعة Harburg، التي يقودها المستثمر الأمريكي بن هاربورغ، على نادي الخلود. وأصبحت شركة نجوم السلام الجهة المالكة لنادي الزلفي، وذلك بعد الانتهاء من التقييمات الفنية والمالية وفق المعايير المتبعة. يدل هذا التنوع في المستثمرين، المحليين والعالميين، على جاذبية السوق الرياضي السعودي كمجال واعد يجذب استثمارات كبيرة، ويؤكد أن الرياضة لم تعد مجرد نشاط ترفيهي بل أصبحت أحد القطاعات الاقتصادية الهامة.
تستند التجربة السعودية في تخصيص الأندية إلى نماذج عالمية تم تطبيقها بنجاح، حيث تُدار الأندية الكبرى في بريطانيا مثل مانشستر يونايتد وتشيلسي ككيانات تجارية جاذبة للاستثمارات، متحصلة على عوائد ضخمة من حقوق البث والرعاية. كما أن الأندية الأمريكية تعتمد على نظام الامتياز مما يوفر لها استقرارًا ماليًا، فيما تجد الأندية الألمانية توازنًا بين الاستثمار والمشاركة المجتمعية عبر قاعدة 50+1 التي تضمن بقاء الأغلبية بيد المشجعين. هذه التجارب تحتوي على دروس قيمة للمملكة في كيفية تعزيز القطاع الرياضي.
تُتوقع عمليات تخصيص الأندية أن تدرّ إيرادات تصل إلى 5 مليارات ريال سعودي على وزارة الرياضة خلال السنوات الخمس القادمة، مما يسهل إعادة توجيه الموارد إلى تطوير الرياضات الأخرى وتحسين البنية التحتية. بالإضافة إلى ذلك، يتوقع أن تنخفض فاتورة الدعم الحكومي بنسبة تتجاوز 70%، مما يوفر متنفسًا لتمويل مشاريع تنموية أخرى.
لكن نجاح هذه المبادرة يعتمد على وجود منظومة متكاملة لضمان استدامة التغيير وتحقيق الأثر المطلوب. إذ يتطلب التخصيص حوكمة فعالة وشفافية في إدارة الموارد، وتعزيز التواصل مع المجتمع لتفادي أي مخاطر تتعلق بفقدان الهوية الرياضية. وبالتالي، تبرز أهمية إنشاء هيئة رقابية مستقلة لمتابعة الأداء وضمان الالتزام بالمعايير المطلوبة.
ستعمل ملكية جماهيرية جزئية من خلال طرح أسهم محدودة على تعزيز شعور الانتماء، مما يحول المشجعين إلى مساهمين حقيقيين في نجاح النادي. كما يجب أن تلعب استثمارات الفئات السنية دورًا محوريًا، لضمان توفير موهبة محلية قادرة على تحمل قيم النادي وأهدافه.
لتحقيق نتائج ملموسة، ينبغي أن ترتبط عمليات التخصيص بمؤشرات أداء واضحة مثل عدد البطولات المحققة ونمو الإيرادات وتوسع قاعدة الجماهير. في ظل توسع المشروع، يتعين أن يشمل التخصيص أندية الدرجتين الأولى والثانية بأساليب تتناسب مع كل منها، ما يعزز العدالة في الفرص الاستثماري.
علاوة على ذلك، فإطلاق برامج توعية جماهيرية يساهم في بناء شراكات قائمة على الثقة بين الأندية وجمهورها، مما يؤكد على الأهداف الهادفة للتخصيص والمزايا المرتبطة به. تعزيز الشراكات مع الأندية العالمية يمكن أن يفتح أفق تطوير الكفاءات وتحسين الاحترافية في الأندية السعودية.
بهذا الشكل، يتحول تخصيص الأندية إلى مشروع وطني يدعم العلاقات بين الرياضة والمجتمع، ويعزز من مكانة القطاع الرياضي السعودي، بمزيج من الكفاءة والهوية. إذا استمرت هذه الاتجاهات بنفس العزم، قد تكون المملكة على أعتاب بناء نموذج رياضي رائد في المنطقة والعالم.
تعليقات