سورية الجديدة: السياسة الخارجية بعد العسكرتارية
منذ استقلال سورية عام 1946، شهدت البلاد حالتين أساسيتين أثرتا على أنظمة الحكم فيها. الحالة الأولى كانت “العسكرتارية”، التي فرضت هيمنتها على البلاد حتى عام 2024. هذا النمط من الحكم همش السياسة وجعلها واجهة للعسكر، مما أدى إلى تزايد المشاكل مع الدول المجاورة. شهدت سورية تدخلات عسكرية طويلة الأمد، حيث ارتبطت بعض قضاياها بشخصيات عسكرية نشطة في السياسة الإقليمية، كما كان الحال في لبنان، حين استخدم النظام السوري القوى العسكرية للتأثير على الأحداث هناك. كما أنه من المعروف أن نظام الأسد استخدم ميليشيات متعددة لفرض نفوذه، خاصة في التعامل مع إسرائيل، حيث كانت ميليشيا حزب الله وحركات مثل حماس والجهاد أدوات للضغط السياسي.
التوجهات الجديدة في السياسة الخارجية السورية
أما الحالة الثانية التي عانت منها سورية، فهي فرض الأيديولوجيا على صلتها بالعالم الخارجي، الأمر الذي أدى إلى بناء علاقات مبنية على أبعاد نظرية بدلاً من التعامل الجغرافي الواقعي. على سبيل المثال، نشأت حالة عداء بين جناحي حزب البعث في العراق وسورية، وتعود هذه الحساسيات إلى الأيديولوجيا أكثر مما هي نتيجة للصراعات الدبلوماسية التقليدية. مع ذلك، تغيرت الأمور وباتت سورية تحت قيادة الرئيس أحمد الشرع تستعد لفصل جديد يتمحور حول الانفتاح السياسي والاقتصادي.
بعد أن تم تعيين الشرع، كان تصريحات واضحة عن مستقبل سورية بعد فترة طويلة من العزلة. بدلاً من التركيز على الصراعات، دعا الشرع إلى “صفر مشاكل” في سياسته الخارجية، مع التركيز على تطوير العلاقات مع المجتمع الدولي وفقاً لمصالح مشتركة. أكد على أهمية بناء علاقات استراتيجية مع الدول العربية والغربية، مما يشير إلى تحول جذري في رؤية سورية التي كانت محاطة بالأزمات والتوترات.
تأتي تصريحات الشرع في وقت تحتاج فيه سورية إلى إعادة صياغة دورها الإقليمي بعد سنوات من العزلة. يظهر ذلك من خلال تقاربه مع العراق، حيث سعى لتسوية الأوضاع بعد الفتور الذي شهدته العلاقات، مع وجود أكثر من 600 كيلومتر من الحدود المشتركة. كما أن الحوار الإيجابي مع الدول المجاورة يسهم في تعزيز التعاون الاقتصادي، ويعكس رغبة سورية في إنهاء مرحلة العزلة.
تشكل محاولات الشرع في التقارب مع الدول المجاورة، مثل لقائه بوزير الداخلية العراقي، علامة على إعادة تعريف علاقات سورية الإقليمية. إن تعزيز الروابط مع الدول العربية يساهم في بناء إطار جديد للأمن والاستقرار، مما يستند إلى المصالح المشتركة للبلدين في مجالي الاقتصاد والأمن. هذه التحركات تشير إلى أن سورية ليست في سياق الصراعات، بل تسعى لأن تكون نقطة وصل بين الدول في المنطقة.
تعتبر سورية الآن تحت المجهر، في فترة تحاول فيها الخروج من طابع الدولة المرعوبة إلى أخرى تشبه محيطها العربي والإقليمي. إن مراعاة عدم الدخول في ممارسات سلبية تعزز النزاعات أو التوترات، تدل على رؤية جديدة للسياسة الخارجية تسعى لبناء علاقات قائمة على التعاون والانفتاح، ليس فقط مع الجوار العربي، بل مع المجتمع الدولي بشكل عام.
تعليقات