الرياض: انطلاق قلوب الحجاج نحو مكة المكرمة – أخبار السعودية

الرياض بوابة الحجيج

في وسط الجزيرة، حيث يمتزج التراب بالسماء على إيقاع الرمال والنخيل، تظل الرياض بوابة الحجيج الأولى، وموطن الحكاية التي لا يمل الزمن من إعادتها. من هذه العاصمة التي تجمع بين السيادة والبدايات، كانت القوافل تنطلق، ليست فقط بوسائل النقل، بل بشوق يسبق المسير.

عاصمة الرحلة المباركة

من هنا، كانت القلوب تودع المدن وتستقبل المناسك، وكانت القوافل تُشَد، وتُغمر الوجوه بلحظات بين الرجاء والدمع. بين أدلاء يعرفون تضاريس الأرض، وحراس يبيتون على أطراف القافلة، وقادة يهتمون بتنظيم الرحلة، لم تكن القافلة مجرد مسير بل كانت طقساً ينطوي على العناية والهيبة والوفاء.

رصدت الهيئة الملكية لمدينة الرياض صوراً نادرة، تكشف النقاب عن تفاصيل تاريخها مع رحلة الحج، من بينها مشاهد لـ«اللوري» العريق، الاسم الذي ارتبط بذاكرة الحجاج كأنه شريك في الرحلة لا مجرد وسيلة. «اللوري» لم يكن عربة فحسب، بل محطة مليئة بالحكايات، حيث ترتفع الأدعية، وتُربط الأمتعة، وتُخبأ الدموع.

قبل ظهور «اللوري»، كانت القوافل تنطلق على ظهور الإبل. رحلة تستمر لأيام، حيث لا ظل إلا ما تصنعه العزيمة، ولا صوت إلا صهيل الخيول وتلاوة الركاب. بين الرياض ومكة، كانت الجغرافيا شاهدة، والصبر رفيق المسير.

مع تقدم الزمن، وتبديل الإبل بالمركبات، لم تفقد الرياض مكانتها في قلب الرحلة. ما تغيير هو الزمن، بينما الوجهة ظلت كما هي. اليوم، يغادر الحجاج الرياض على طرق معبدة، يرافقهم النظام ويقودهم الأمن. ومع ذلك، تظل لحظة الوداع ثابتة، حيث تستشعر الرياض صوت الأمهات، ودعاء الجيران، ونظرات الأحباب وهم يلوحون للراجعين نحو مكة.

الرياض هي الصفحة الأولى في كتاب المناسك، وعندما تبدأ القوافل من هنا، فإنها لا تنقل الحجاج فقط، بل تُعيد إحياء مشهد أصيل من هوية هذه الأرض. هنا، انطلقت القوافل بأول خطواتها، وهنا ارتفعت أعمدة الخدمة، وهنا بُنيت منظومة الرعاية المتكاملة لضيوف الرحمن.

مع تقدم الزمن، والوسائل الحديثة، تمكنت الرياض من الحفاظ على مكانتها. فهي لا تزال تحرس الرحلة منذ بدايتها، وتغمرها بذاكرة دائمة. كل جيل يمر من هنا يحمل معه رائحة القافلة، ويترك خلفه أثراً على الطريق.

كل عام، تعيد العاصمة رسم المشهد في محطاتها، حيث يستعد الحجاج في طرقها، وتتحرك الحافلات، ليظهر مجدٌ لا يختصر في الطقوس، بل يمتد ليكون روحاً وطنية تعي أن الحج ليس مجرد حدث موسمي، بل مسؤولية تاريخية تتقنها المملكة، وتحفظها الرياض في قلبها.