الرياض تعزز العلاقات الاقتصادية مع دمشق: شراكة جديدة تعيد سوريا إلى الساحة الإقليمية

الدور المتجدد للسعودية في إعادة إعمار سوريا

بعد سنوات من العزلة في المجال الدبلوماسي، بدأت المملكة العربية السعودية استعادة دورها البارز في المشهد السوري، حيث تعكف على المساهمة في مسارات إعادة الإعمار والتنمية. جاء الإعلان عن تعزيز التعاون الاقتصادي بين الرياض ودمشق بعد خفض العقوبات الغربية المفروضة على سوريا، ما يعكس توجه السعودية لدعم الاستقرار الإقليمي من خلال استثمارات اقتصادية مباشرة. تعد هذه الخطوة جزءًا من استراتيجية سعودية تهدف إلى إعادة سوريا إلى محيطها العربي، بروح تتماشى مع دور القيادة السورية الجديدة بعد حكم عائلة الأسد.

بدء عصر جديد من التعاون

خلال زيارة رسمية إلى دمشق، التقَى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بالرئيس السوري أحمد الشرع وعدد من كبار المسؤولين السوريين، مُعلنا بذلك بداية مرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي. وأبرز الأمير فيصل أهمية تخفيف العقوبات المفروضة من قبل الولايات المتحدة وأوروبا في تعزيز الاقتصاد السوري الذي تأثر سلبًا لسنوات طويلة، مشيرًا إلى تطلعات المملكة للاستفادة من التحولات السياسية الحالية في سوريا.

وأفادت وكالة “أسوشيتد برس” أن كل من السعودية وقطر ستقدمان دعمًا ماليًا لموظفي القطاع العام في سوريا، دون الإشارة إلى تفاصيل ذلك الدعم. يُعتبر هذا التمويل بمثابة تمهيد لمشاركة سعودية أكبر في مشروعات البنية التحتية والطاقة والاتصالات والزراعة، حيث يُتوقع أن تشهد هذه القطاعات زيارات مستقبلية من رجال أعمال سعوديين لاستكشاف فرص الاستثمار.

وفي تأكيد على دور ريادي، أعرب الأمير فيصل بن فرحان عن عزم بلاده أن تكون في طليعة الدول الداعمة لسوريا في مسيرتها نحو إعادة الإعمار والنمو الاقتصادي. تعكس هذه التصريحات رغبة الرياض في أن تصبح المرجعية الاقتصادية والسياسية الأولى لدى القيادة السورية الجديدة، مما يدل على تغيير كبير في التوازنات الإقليمية.

كما عبّر وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني عن تفاؤله بشأن العلاقة مع السعودية، مشيرًا إلى أنها دخلت مرحلة جديدة من التعاون، عقب سنوات من التوتر والافتراق. تأتي هذه التصريحات بعد الاتفاق الأخير الذي أبرمته سوريا مع تحالف من شركات قطرية وتركية وأمريكية لإنشاء مشروع طاقة ضخم، يعكس الرغبة الدولية والإقليمية الواضحة لإعادة تأهيل شبكة الكهرباء السورية.

على صعيد آخر، كشفت مصادر رسمية أن الرئيس السوري أحمد الشرع قد حصل على فرصة للقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الرياض، في خطوة تُعتبر الأولى من نوعها بعد الإطاحة ببشار الأسد. لعبت المملكة دورًا دبلوماسيًا هامًا في تسهيل هذه اللقاءات، وتعزيز القرار الأمريكي برفع العقوبات، كجزء من استراتيجية سعودية تهدف إلى دمج سوريا في النظامين الإقليمي والدولي.

تظهر هذه التطورات أن الرياض لا تسعى فقط لتقديم دعم في إعادة الإعمار، بل تسعى لبلورة المرحلة السياسية والاقتصادية المقبلة في سوريا. من خلال الدعم المالي والاستثمارات، تسعى السعودية لتشكيل مشهد جديد للنفوذ العربي في سوريا بعد الحرب، مؤكدة بذلك على مكانتها كقوة استقرار إقليمي.