حوكمة الذكاء الاصطناعي في الإدارات القانونية: التحديات والمسؤوليات التنظيمية

تداخل الذكاء الاصطناعي في الإدارات القانونية

في إحدى المؤسسات القانونية، قام أحد الزملاء بمشاركة رابط لأداة ذكاء اصطناعي تستطيع تلخيص الأنظمة واللوائح السعودية وتحليل العقود، بالإضافة إلى تقديم الاستشارات القانونية. بعد مرور أسبوع، بدأ الاعتماد على هذه الأداة بشكل يومي، مما وفّر وقتاً ثميناً. ومع ذلك، بدأت تتوالى الأسئلة: هل النتائج التي تقدمها دقيقة؟ كيف نتعامل مع مسائل الخصوصية؟ وهل تحترم خصوصية المستندات المدخلة فيها؟

التكنولوجيا الحديثة في الشؤون القانونية

أصبح الذكاء الاصطناعي التوليدي جزءًا أساسيًا في إعداد المسودات القانونية، مراجعة الوثائق، تحليل الأنظمة، تلخيص النصوص المطولة، ودعم فرق الامتثال في متابعة التحديثات التشريعية. توفر هذه التقنية الوقت والجهد، مما يعزز فعالية الفرق القانونية، وخاصة في البيئات التي تعاني من كثافة المعاملات وسرعة تغير القوانين.

ومع ذلك، يواجه الاستخدام العديد من التعقيدات. ليس كافيًا أن تكون الأداة فعّالة؛ بل يجب أن تعمل وفقًا للأنظمة المحلية، وتحترم خصوصية البيانات، وتكون تحت إشراف قانوني من قبل مختصين واعين.

توجد أربع تحديات رئيسية يجب أخذها بعين الاعتبار في هذا السياق:
1. الفهم المحدود للسياق النظامي: الأدوات التقنية تفتقر أحيانًا إلى القدرة على استيعاب السياق القانوني المحلي بدقة، مما يؤدي إلى نتائج قد لا تتفق مع الأنظمة السعودية.
2. الهلوسة القانونية: بعض المخرجات قد تبدو صحيحة من الناحية اللغوية لكنها تحتوي على مغالطات قانونية، مما يضلل المستخدم إذا لم يكن دقيقًا.
3. تهديد الخصوصية: إدخال بيانات حساسة في أداة غير موثوقة قد يؤدي إلى الكشف غير المشروع عن تلك المعلومات.
4. ضعف المهارات القانونية على المدى الطويل: الاعتماد الزائد عن اللزوم على التقنية قد يُضعف قدرة المحاميين على التحليل وصياغة الحجج القانونية، مما يقلل الحاجة إلى التفكير العميق.

في ضوء هذه التحديات، تبرز ضرورة تنظيم استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بواسطة ممارسات تنظيمية واضحة. الحوكمة هنا لا تعني المنع، بل تهدف إلى تحقيق توازن بين الفعالية والدقة. ومن الممارسات المقترحة هو استخدام أدوات مرخصة موثوقة، وضع سياسة داخلية تنظم الاستخدام، القيام بمراجعة بشرية لجميع المخرجات، الامتناع عن إدخال أي بيانات حساسة بدون ضمانات حماية، تدريب الفرق القانونية على الاستخدام المسؤول، وإجراء تقييم دوري لفعالية الأداة.

يتعين التعامل مع الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة، وليس كمرجعية قانونية نهائية. إنه وسيلة لدعم المحامين في الوصول للمعلومات وتنظيمها، لكنه لا يغني عن التحليل القانوني البشري المتمكن. في النهاية، فإن التعامل مع التقنية دون حوكمة مناسبة يحمل في طياته خطرًا خفيًا، قد يؤدي إلى قرارات قانونية غير دقيقة أو اختراقات للخصوصية. لذا، فإن وعي المستخدمين بتوازن التقنية والجانب القانوني يعد أمرًا حيويًا لضمان تحقيق الكفاءة والجودة في العمل القانوني.