غارق في عروبتي: قصة انتماء عربي عميق

من أعظم متع الشيخوخة أن يعكس الإنسان على قصة حياته، متشاركًا مع أحبائه شعورًا عميقًا بالانتماء والغرض. كنت محظوظًا بحب أسرة رقيقة، وصداقات غنية لا تعد، ووطن غني بالتراث الذي شكل مسيرتي. دخلت الحياة بصرخة قوية، وأتمنى أن أودعها على إيقاع موسيقى هادئة، كما تنتهي المسرحيات بالألحان الرنانة. بين هذه البداية والنهاية، عشت حياة مشرقة أشكر الله عليها، وأشكر كل من أحاطني بالعطف. أترك القضاء للآخرين، لكنني أأمل أن أكون قد استثمرت وقتي بحكمة، وأن الخير الذي قدمته يتجاوز الأخطاء التي ارتكبتها. وما أفتخر به أكثر هو مولدي كعربي، فأنا أشعر باعتزاز كبير باصطفائي لهذا التاريخ العريق والإرث الرائع.

الانتماء العربي

عند استعراض تاريخ الحضارة الإنسانية، نعود دائمًا إلى الشرق الأوسط، مهد أولى المجتمعات البشرية الكبرى مع السومريين والأكاديين، مرورًا بالبابليين والآشوريين، والمصريين القدماء، والأنباط والفينيقيين. هؤلاء هم الذين أسسوا أركان الحياة الحديثة، من صناعة البرونز والرياضة إلى العلوم والكتابة، ومن الفلسفة والقوانين إلى الملاحة والتجارة البحرية. لن ننسى أن ثلاثة من عجائب الدنيا السبع، مثل أهرامات الجيزة وحدائق بابل المعلقة ومنارة الإسكندرية، بنيت في ما يُعرف الآن بالعالم العربي. في هذه المنطقة، تلقى أنبياء اليهودية والمسيحية والإسلام رسالات إلهية، مضيفين أبعادًا أخلاقية ودينية وفلسفية إلى الحضارة المتقدمة هناك. أما العصر الذهبي للإسلام قبل ألف عام، فقد شهد ابتكارات العرب في الجبر ومفهوم الصفر ونظام الأرقام العشرية، بالإضافة إلى اقتراح دوران الأرض قبل عصر غاليليو بقرون. ميادين الطب والهندسة والملاحة والبستنة لم تكن لتتطور بهذا الشكل لولا جهود العلماء العرب، كما أن الشعر المقفى والآلات الموسيقية مثل القيثارة والكنارة والدف والناي، جميعها تراث عربي أصيل، بما في ذلك مزمار القربة الذي نشأ على يد رعاة عرب.

كما أن انفتاح العرب واستيعابهم للمعارف اليونانية والفارسية والهنودية والصينية كان الدافع الرئيسي لازدهار ثقافة علمية وابتكارية، مما مهد الطريق لعصر النهضة الأوروبية. فقد حفظ العرب النصوص العلمية والفلسفية اليونانية التي فقدها الأوروبيون، وطورها خلال عصر الخلفاء الأمويين والعباسيين، الذين حكموا أعرق المدن وتميزوا بالتسامح والثقافة الراقية. ومن المثير أنني اكتشفت أصلي القريب من الأمويين، الذين امتدت خلافتهم إلى الأندلس، حيث كانت قرطبة نموذجًا للتعايش الثقافي مع شوارع معبدة ومضاءة و300 حمام عام، في وقت كانت لندن مجرد قرى بدائية. لم تقتصر إنجازات الحضارة العربية على الماضي، ففي العصر الحديث، يرتبط تقدم الذكاء الاصطناعي بالمفاهيم التي وضعها الخوارزمي وابن الهيثم والفارابي وابن سينا وابن رشد، مدعومة بقيم الإسلام في العلم والعدالة. لذا، فإن سعي السعودية للريادة في هذا المجال هو امتداد طبيعي لهذا الإرث العظيم.

إرث الحضارة العربية

يقول المفكر ساطع الحصري إن العربي هو من يتكلم العربية ويشعر بهويته ويعلنها. أنا أنتمي إلى هذا التعريف تمامًا، لكن ارتباطي بالهوية العربية أعمق، متجذرًا في التاريخ والثقافة. أتمنى أن أكون قد نقلت للآخرين ما يجعل العالم العربي فريدًا وأساسيًا، كما يتجلى اليوم في القيادة السعودية الحكيمة التي تبني مستقبلًا واعدًا وتعمل على السلام العالمي. أنا فخور بأن أكون سعوديًا عربيًا، وأشكر الله على حياة مليئة بالحب والدعم من عائلتي وأصدقائي. أما الفصل القادم، فهو لكم لتكتبوه، فالحياة تستمر في أيدي الأجيال اللاحقة.