ظل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب يميل نحو تكثيف استخدام “القوة الصلبة”، متجاهلاً في معظم الأحيان النموذج التقليدي لـ”القوة الناعمة” الذي طوره المفكر جوزيف ناي. هذا التحول جعل الولايات المتحدة تركز على أدوات مثل التفوق العسكري والضغوط الاقتصادية، مما أضعف الجوانب الدبلوماسية والثقافية التي تعتمد على الجاذبية والاقناع. على سبيل المثال، أدت سياسة “أمريكا أولاً” إلى سلسلة من الانسحابات من التحالفات الدولية، مثل اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية، مما أثر سلباً على سمعة الولايات المتحدة كقائد عالمي. كما شمل ذلك تقصير التمويل لبرامج التبادل الثقافي، مثل منح فولبرايت، وخفض دعم الإعلام الدولي، مثل صوت أمريكا، في خطوات أكدت على الأولوية العسكرية والاقتصادية.
القوة الناعمة في ظل إدارة ترمب
هذه التحولات لم تكن مجرد اختيارات عابرة، بل انعكاس لنهج ترمب الذي رأى أن القوة الناعمة، بآلياتها التقليدية، لم تعد فعالة في عالم يشهد صعود قوى جديدة. كما أشار ناي في بعض كتاباته، يجب أن تتكامل القوة الصلبة والناعمة لضمان القيادة العالمية، لكن إدارة ترمب فضلت التركيز على المصالح الوطنية المباشرة، مما أدى إلى تراجع تأثير الولايات المتحدة ثقافياً ودبلوماسياً. على الرغم من ذلك، يدعي بعض مؤيدي ترمب أن أسلوبه المباشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر كان يمثل شكلاً من أشكال الجذب الشعبي، حيث جذب أتباعاً في دول عدة من خلال انتقاده للنخب التقليدية. ومع ذلك، يرى خبراء آخرون أن هذا النهج زاد من الاستقطاب الدولي، مما قلل من الجاذبية العامة للولايات المتحدة بدلاً من تعزيزها.
الجاذبية الدبلوماسية كبديل
في السياق العالمي المتغير، يبدو أن ترمب كان مدركاً لضعف القوة الناعمة التقليدية أمام التحديات الحديثة، مثل صعود حضارات جديدة وتنافس نماذج التنمية. على سبيل المثال، خلال زيارته للرياض، انتقد ترمب محاولات “بناء الأمم” من خلال فرض الثقافة الأمريكية، مما يعكس فهماً لرفض الشعوب لأي هيمنة ثقافية أو سياسية. هذا يعني أن التركيز على الجاذبية الدبلوماسية كبديل يتطلب مزيجاً متوازناً، لكنه لم يكن خياراً لترمب، الذي رأى أن عصر الهيمنة الأمريكية الأحادية قد انتهى. في هذا العالم المتعدد القوى، حيث تصارع الحضارات وتنافس النماذج الاقتصادية، كانت سياسات ترمب تعكس قراءة واقعية، على الرغم من قسوتها، للمرحلة الانتقالية التي يمر بها النظام الدولي. ربما يكون التاريخ هو الذي يقرر في النهاية ما إذا كانت رؤيته هذه دقيقة أم مبالغ فيها، خاصة مع ظهور تحديات جديدة تتطلب دبلوماسية أكثر مرونة وجاذبية.
تعليقات