بعد أكثر من ثلاثة عقود من التفاني في مجال التعليم، يختتم الدكتور معجب بن جار الله الزهراني مسيرته المهنية، مخلفاً إرثاً تربوياً عميقاً يمتد ليغطي جوانب متعددة من نظام التعليم في جدة. كان حضوره يمثل قيمة مضافة، حيث لم يقتصر دوره على الإدارة اليومية، بل امتد إلى بناء جيل من القادة والمعلمين الذين يحملون روحه الإيجابية ونهجه الاستثنائي.
الإرث التربوي للدكتور الزهراني
في رحلة الدكتور الزهراني، الذي حصل على درجة الدكتوراه في أصول التربية وماجستير في الإدارة التربوية والتخطيط، تجسد التزاماً لا يتزعزع بالتعليم كأداة للتغيير. بدأ مسيره كناشئ معلم ثم تطور ليصبح مديراً لمدارس، ثم مديراً للتعليم في جدة، وصولاً إلى منصب مستشار تربوي ومؤسس مركز التميز. كما كان محكماً معتمداً لمعايير الجودة، مما ساهم في تعزيز المعايير العالمية للتعليم في المنطقة. لم يكن ذلك مجرد مناصب رسمية، بل فرصاً ليطبق خبراته في دعم المعلمين والمعلمات، خاصة في مجال التربية الفنية، حيث رأى في الفن رسالة تعليمية تتساوى مع المناهج التقليدية. كانت مهاراته في الاستماع والتفاعل مع الآخرين تبرز في كل موقف، إذ كان يجيد قراءة التفاصيل الدقيقة، سواء في التعامل مع الريشة الفنية أو في مناقشة البرامج التعليمية.
المسيرة التعليمية الاستثنائية
في مجال الإعلام، كان الدكتور الزهراني يدرك أهمية التكامل بين الجهود التعليمية والإعلامية، مما جعله يتقن التواصل مع الإعلاميين لنشر الرسائل التربوية بفعالية. هذا النهج لم يكن مصادفة، بل نتيجة لخبرته المتراكمة من خلال عمله مع نخبة من التربويين البارزين، مثل الراحلين عبدالله الثقفي وكمال الغامدي، وكذلك أحمد بن علي الزهراني، حيث شكلوا معاً نموذجاً للقيادة الذهبية. اليوم، مع انتهاء فترة عمله، يظل اسمه مرتبطاً بكل مبادرة أطلقها، سواء في صياغة الخطط التعليمية أو تطوير المبادرات التي غيرت وجه التعليم في جدة. فمن خلال دعمه للمعلمين وتشجيع الابتكار، أصبح رمزاً للثبات والتأثير الإيجابي.
إن توديع الدكتور الزهراني لمنصبه ليس نهاية، بل استمراراً لأثره الذي سيبقى حياً في كل زاوية من نظام التعليم. فقد كان صمام أمان يمنح الطمأنينة للجميع، مستلهماً من قيمه الأخلاقية العميقة. في خضم هذه المسيرة، لم ينسَ أهمية الاستماع الحقيقي، حيث كان يستمع لأفكار الآخرين بصدر رحب، مما أدى إلى تنفيذ برامج تعليمية متكاملة تجمع بين الجانب الفني والعلمي. بالإضافة إلى ذلك، فإن خبرته في الإدارة التربوية جعلت منه قدوة في كيفية دمج التخطيط الاستراتيجي مع التنفيذ العملي، مما أثر على آلاف الطلاب والمعلمين. الآن، بينما يغلق باباً من حياته المهنية، يفتح آخر للإلهام، حيث يظل اسمه مكتوباً في سجل القامات التي غيرت وجه التعليم في المملكة. إنه ليس مجرد اسم في السير الذاتية، بل قصة نجاح تعليمي تستمر في الهداية للأجيال القادمة، معلِّمة أهمية الثبات والتفاني في سبيل بناء مجتمع تعليمي أفضل. إن التركيز الذي وضعه على الجودة والابتكار سيظل مصدر إلهام، مما يجعلنا نرفع له التحية كقائد تربوي حقيقي، فبفضله أصبحت الكثير من البرامج نموذجاً يحتذى.
تعليقات