سارة الأميري: تحويل التفكير التربوي لإعداد الطلبة للمستقبل

سارة الأميري: إعداد الطلبة للمستقبل يتطلب تحوّلاً بالتفكير التربوي

في عصر التحول التقني السريع، حيث تتسارع الابتكارات وتنتشر التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات، أصبحت مهمة إعداد الجيل الناشئ أكثر تعقيداً وأهمية. في هذا السياق، تنادي الدكتورة سارة بنت يوسف الأميري، الشخصية الإماراتية البارزة والمستشارة في مجالات الفضاء والتعليم، بضرورة تحويل جذري للتفكير التربوي. تحدثت الأميري في العديد من المنصات الدولية عن أن المنظومة التعليمية الحالية لم تعد كافية لمواجهة تحديات المستقبل، مشددة على أن التعليم يجب أن يركز على بناء مهارات مستدامة تتكيف مع التغيرات العالمية. في هذا المقال، نستعرض مسيرة سارة الأميري ونناقش رؤيتها لتحويل التعليم.

من خلفية المغامرات الفضائية إلى قيادة التعليم

تُعد سارة الأميري من أبرز الوجوه الإماراتية في مجال العلوم والتكنولوجيا. ولدت في الإمارات العربية المتحدة في عام 1987، وتخرجت من جامعة الإمارات العربية المتحدة بدرجة البكالوريوس في علوم الكمبيوتر، ثم حصلت على درجة الماجستير في التكنولوجيا من جامعة بوسطن. بدأت مسيرتها المهنية في مجال الفضاء، حيث شغلت مناصب قيادية في وكالة الإمارات للفضاء، وكانت أول امرأة إماراتية تشارك في بعثة ناسا إلى المريخ عام 2020 كعضوة في فريق "الأمل"، المشروع الإماراتي الأول في استكشاف الفضاء.

لكن أهمية الأميري تتجاوز الإنجازات الفضائية؛ فهي حالياً رئيسة مجلس الإدارة لمؤسسة محمد بن راشد للتربية العلمية، ومستشارة في التعليم والابتكار. من خلال عملها، ركزت على دمج العلوم، التكنولوجيا، الهندسة، والرياضيات (STEM) في المناهج التعليمية، مع الإيمان بأن التربية ليست مجرد نقل معلومات، بل بناء شخصيات قادرة على الابتكار والتكيف. في مقابلاتها، تروي كيف ألهمتها تجاربها الفضائية لتدرك أن التحديات الكبرى تحتاج إلى تفكير خارجي، وهذا ما يجب أن ينعكس في التعليم.

التحول التربوي: ضرورة وليس خياراً

تقول سارة الأميري إن إعداد الطلبة للمستقبل يتطلب "تحولاً بالتفكير التربوي"، مشيرة إلى أن النظام التعليمي التقليدي، الذي يركز على الحفظ والامتحانات الروتينية، لم يعد مناسباً لعصر الرابع الصناعي. في خطابها أمام منتدى الاقتصاد العالمي عام 2022، أكدت أن الطلبة يواجهون مستقبلاً يسيطر عليه الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، مما يجعل المهارات مثل التفكير النقدي، حل المشكلات، والتعاون الفريقي أكثر أهمية من المعرفة النظرية وحدها.

تُبرز الأميري عدة أسباب للضرورة هذه:

  • تسارع التغييرات التقنية: مع انتشار الذكاء الاصطناعي وتقنيات الواقع الافتراضي، يجب على الطلبة أن يتعلموا كيفية استخدام هذه الأدوات بدلاً من مجرد فهمها. على سبيل المثال، في الإمارات، ساهمت مؤسساتها في تطوير مناهج تدمج البرمجة والذكاء الاصطناعي منذ المراحل المبكرة.

  • التحديات الاجتماعية والاقتصادية: يُواجه العالم مشكلات مثل التغير المناخي والبطالة الناتجة عن الآلات، وهنا يأتي دور التعليم في بناء جيل يمتلك مهارات الابتكار للتصدي لهذه التحديات. تشدد الأميري على أن التعليم يجب أن يركز على "التعلم مدى الحياة"، حيث يستمر الطلبة في اكتساب المهارات بعد التخرج.

  • الأولوية للمهارات الناعمة: لم تعد الشهادات الأكاديمية كافية؛ بل يحتاج الطلبة إلى تطوير القدرة على التواصل، القيادة، والإبداع. في برامجها التعليمية، مثل تلك المتعلقة بـ"أكاديمية محمد بن راشد للفضاء"، تُشجع على مشاريع عملية تعزز هذه المهارات.

أمثلة من العمل على الأرض

في الإمارات، أدت رؤية سارة الأميري إلى تنفيذ مبادرات عملية، مثل إطلاق برامج تدريبية للطلبة تركز على الابتكار، كـ"البرنامج الوطني للعلوم والتكنولوجيا". هذه البرامج تجمع بين التعليم التقليدي والتجارب العملية، مثل بناء نماذج روبوتات أو إجراء تجارب فضائية افتراضية. كما دعمت الأميري جهود الإمارات في دمج التعليم الرقمي خلال جائحة كوفيد-19، مما أظهر كيف يمكن للتكنولوجيا أن تحول التعلم إلى تجربة تفاعلية.

على المستوى العالمي، شاركت الأميري في مبادرات مثل منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، حيث نادى بتطوير مناهج عالمية تؤكد على الاستدامة والابتكار. هذه الأمثلة تُظهر أن تحويل التفكير التربوي ليس مجرد نظرية، بل يمكن تنفيذه من خلال خطط واضحة.

خاتمة: نحو مستقبل أفضل

في الختام، يُمثل دعوة سارة الأميري لتحويل التفكير التربوي خطوة أساسية نحو بناء جيل قادر على مواجهة تحديات القرن الـ21. ليس التعليم مجرد وسيلة للرزق، بل أداة للتقدم والتغيير الإيجابي. كما قالت الأميري ذات مرة: "الطلبة ليسوا مجرد أدوات للمعرفة، بل هم مهندسو المستقبل". لذا، يجب على الدول والمؤسسات التعليمية اتباع نهجها، بدءاً من دمج التكنولوجيا وتشجيع الابتكار، لنعد جيلاً يبني عالماً أفضل. في الإمارات وخارجها، يبقى عمل سارة الأميري مصدر إلهام لتحقيق هذا التحول.