في وقت يشهد تحولات إقليمية سريعة، أثار غياب ملف اليمن تمامًا من جدول أعمال لقاء القيادة السعودية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرًا تساؤلات واسعة حول توجهات المملكة العربية السعودية نحو الصراعات الإقليمية. خلال زيارة ترامب، ركزت المناقشات على قضايا أخرى مثل سوريا والعراق، مما يعكس تغييرًا في الأولويات، لكنه يفتح الباب أمام تفسيرات متنوعة حول مستقبل الحرب في اليمن ودور السعودية فيها.
غياب اليمن من مباحثات الرياض: علامات استفهام حول الحرب
هذا التجاهل المفاجئ للأزمة اليمنية، وفق آراء مراقبين، قد يشير إلى محاولة سعودية للانتقال إلى مرحلة جديدة من الهدوء الإقليمي، حيث تتجه المملكة نحو تنفيذ برامجها التنموية الكبرى ضمن رؤية 2030. اليمن، الذي كان في السابق محورًا رئيسيًا في السياسة الخارجية السعودية، يبدو الآن كقضية قد تكون على وشك الإغلاق، مع تركيز متزايد على الاستقرار الاقتصادي والشراكات الدولية. ومع ذلك، يحذر بعض الخبراء من أن هذا الصمت قد يعني تجاهلًا للجوانب الإنسانية والسياسية المتفاقمة، حيث يواجه اليمن كارثة إنسانية متراكمة تجاوزت السنوات الطويلة من النزاع، مما يثير مخاوف من تأجيل حلول جذرية بدلاً من تحقيقها.
تصفير النزاعات في اليمن: بين التفاؤل والقلق
في هذا السياق، يرى محللون أن السعودية قد تكون تسعى فعليًا إلى تصفير الخلافات مع الأطراف المتورطة في اليمن، كخطوة تتزامن مع نهجها الدبلوماسي الأكثر اعتدالًا في الفترة الأخيرة. هذا التوجه، الذي يركز على إغلاق ملفات الصراعات القديمة، يمكن أن يكون حكيمًا في ظل التحديثات الاقتصادية التي تشهدها المملكة، مثل مشاريع الطاقة المتجددة والتنويع الاقتصادي. لكن السؤال الكبير يبقى: هل هذا يعني نهاية حقيقية لحرب اليمن، أم أنها مجرد إعادة ترتيب للأولويات التي قد تؤدي إلى ترك البلاد في حالة من الجمود؟ في مقابل التفاؤل بأن السعودية ترغب في تركيز جهودها على السلام والإعمار، هناك مخاوف من أن غياب اليمن من المحادثات يعكس تراجعًا في الالتزام بمسؤوليات إنسانية، مثل تقديم الدعم لللاجئين والتوصل إلى اتفاقيات شاملة تحفظ كرامة الشعب اليمني.
بالعودة إلى تفاصيل اللقاء، فإن الصمت الرسمي حول اليمن يبرز كمؤشر على تحول استراتيجي أكبر، حيث تبدو المملكة مشغولة بتشكيل تحالفات جديدة مع الولايات المتحدة لمواجهة التحديات الإقليمية الأخرى. هذا النهج قد يساعد في تقليل التوترات، لكنه يثير قلقًا على مدى المدى الطويل، خاصة إذا لم يتم ربطه بحلول عملية تمنع استمرار النزاع. في الواقع، اليمن ليس مجرد ملف إقليمي؛ إنه يمثل تحديًا استراتيجيًا يتعلق بالأمن البحري ومكافحة الإرهاب، وأي خطوة نحو تجاهله قد تعزز من مخاطر الانهيار الإنساني أو الانفجار في حالة عدم الاستقرار. من هنا، يطرح خبراء تساؤلات حول ما إذا كانت السعودية قد بدأت فعليًا في طي صفحة الحرب، أم أن هذا الغياب مؤقت يرتبط بحسابات سياسية محددة.
علاوة على ذلك، في ظل التحولات العالمية، يمكن اعتبار هذا التجاهل جزءًا من استراتيجية أوسع لإعادة توازن السياسة الخارجية، حيث تركز السعودية على تعزيز شراكاتها مع القوى الكبرى لمواجهة تهديدات مستقبلية. ومع ذلك، يحتاج الأمر إلى رؤية شاملة تضمن أن أي خطوة نحو السلام في اليمن تكون مبنية على مبادئ العدالة والتعاون الدولي، لتجنب تكرار أخطاء الماضي. في نهاية المطاف، بينما يبدو أن المملكة تسعى للانتقال إلى مرحلة ما بعد الصراعات، يظل مستقبل اليمن معلقًا بين أمل السلام الدائم ومخاطر الجمود المستمر، مما يدفعنا إلى التساؤل عما إذا كانت هذه البداية لعصر جديد أم مجرد تأجيل للتحديات.
تعليقات