حضر الملف اللبناني على جدول أعمال القمة الأمريكية الخليجية دون أي تمثيل لبناني، مما يعكس واقعاً يبدو فيه دور اللبنانيين محدوداً كأدوات تنفيذية لقرارات خارجية، متجددة في شكل وصاية دولية. يرى كاتب ومحلل سياسي أن هذا النهج ليس جديداً، بل يمتد من اللجنة الخماسية التي حددت مصير البلاد في جوانب متعددة، من رئاسة الجمهورية وتشكيل الحكومة إلى المواصفات الإدارية.
التدخل الخارجي في الملف اللبناني
في هذا السياق، تعكس الولايات المتحدة ما يشبه “الميكرو إدارة” للبنان، حيث تتدخل في أدق التفاصيل الإدارية والوظيفية للسيطرة على مفاصل القرار. هذه التدخلات تضع البلاد في قلب التحولات الإقليمية، معتمدة على عوامل خارجية لتشكيل مستقبلها، وسط غياب واضح للتماسك الوطني. يؤكد أن هناك رغبة أمريكية واضحة في تكليف المملكة العربية السعودية بإدارة الملف اللبناني، لا على المستوى السياسي وحسب، بل في الجوانب الاقتصادية والإدارية أيضاً، تحت إشراف أمريكي مباشر وتنسيق دولي. هذا التكليف يربط الدور الفرنسي مباشرة بمدى التوافق بين الرياض وواشنطن، مما يقلل من قدرة فرنسا على التأثير بشكل مستقل، ويجعل المبادرات اللبنانية مرتبطة بمواقف السعودية في قضايا حاسمة مثل رئاسة الجمهورية وتشكيل الحكومة.
من جانب آخر، يبرز تأثير الإدارة الأمريكية السابقة لدونالد ترامب في تعزيز اليد الطويلة للسعودية في لبنان، حيث يصبح أي انفراج اقتصادي أو سياسي مرتهناً بقبول سعودي مسبق. هذا يشمل رفع الحظر على السفر وإطلاق العمليات الاقتصادية، مما يحول السياسة الدولية تجاه لبنان إلى تلزيم موحد للسعودية، مقيد بإشراف أمريكي يتدخل في كل تفصيل. على سبيل المثال، عند دراسة أي خطط اقتصادية أو تشكيل حكومي، تكون الموافقة السعودية شرطاً أساسياً، مما يجعل كل تفصيل لبناني اختباراً للتنسيق السعودي-الأمريكي.
أما فيما يتعلق بإمكانية الانفتاح على حزب الله، فهناك محاولات سابقة للتقارب، خاصة بعد اتفاق بكين بين إيران والسعودية، حيث تجاوزت المملكة بعض الحواجز، كما في مشهد تقديم التعازي في السفارة الإيرانية. ومع ذلك، يظل الأمر معقداً بسبب تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية من قبل السعودية، مما يطرح تساؤلات حول طبيعة أي حوار محتمل. حزب الله نفسه يرحب بمناقشة الانفتاح، لكنه يشترط مبادرات حقيقية، مع الإقرار بأن إيران قد تلعب دوراً في تخفيف التوترات الإقليمية. وفي هذا السياق، يؤكد أن أي تواصل، حتى لو كان غير مباشراً، يظل محكوماً بعلاقة السعودية بالحزب.
بالنسبة لموقف حزب الله من تسليم السلاح، فهو واضح في رفض أي دعوات لنزع السلاح في ظل الاحتلال الإسرائيلي، معتبراً إياه أداة دفاعية أساسية للحفاظ على السيادة اللبنانية. يرد المحلل على مزاعم أن السلاح فقد جدواه بسبب التطورات التكنولوجية، مشيراً إلى أنه كان العامل الرادع الذي منع الاجتياحات الإسرائيلية منذ عام 1982 وحماى البلاد. رغم الضربات التي يتعرض لها، فقد أعاد حزب الله ترميم قوته، مما يجعل إسرائيل في حالة تردد دائم قبل اتخاذ أي خطوة عسكرية واسعة النطاق تجاه لبنان. هذه الديناميكيات تعيد رسم خريطة التدخلات الخارجية، حيث يظل مستقبل لبنان مرتبطاً بتوازن القوى الدولية.
التحولات في القضية اللبنانية
يمكن اعتبار هذه التحولات جزءاً من سلسلة أوسع من التغييرات الإقليمية، حيث أصبحت قضايا لبنان مرهونة بقرارات خارجية تتجاوز السياق الوطني. على سبيل المثال، فإن أي مساعي للانفتاح أو الإصلاح تتطلب التنسيق مع الأطراف الرئيسية، مثل السعودية والولايات المتحدة، مع الاعتراف بأن الدور الإيراني قد يساهم في تخفيف التوترات. ومع ذلك، يبقى السؤال المحوري: كيف يمكن لتلك القوى أن تتجاوز التصنيفات والصراعات السابقة لبناء علاقات مستقرة؟ هذا الواقع يضع لبنان أمام تحديات كبيرة، حيث يحتاج إلى توازن بين الضغوط الخارجية والاستقلال الداخلي. في نهاية المطاف، يعكس هذا الوضع كيف أن التدخلات الدولية ليست مجرد مساعدات، بل هي أدوات لتشكيل مستقبل البلاد بأكمله، مع الحاجة إلى جهود وطنية موحدة لإعادة السيطرة على القرار الداخلي.
تعليقات