كثيرة هي القصص الإنسانية التي تروي عن أفراد سخروا من طفولتهم ليبنوا مسيرة مهنية استثنائية، جعلتهم رموزاً للإصرار والحب لعملهم. في محافظة كفر الشيخ، يبرز اسم رائي سمرة كشاهد حي على ذلك، حيث تتحدى سيرته الزمن والصعاب في عالم الخياطة والتفصيل.
70 عاماً في تفصيل البدل: حكاية أقدم ترزي في كفر الشيخ
بدأ رائي سمرة رحلته في عالم الخياطة في سن الثامنة، حين ألهمته رؤية فنية عفوية أمام محل ترزي مشهور بجوار سينما الجمهورية. كان ذلك في أول أيام عيد الفطر، حيث جذبته براعة كمال المرادني، الذي أصبح معلمه الأول. من قرية كفر عسكر، قطع الصبي مسافة خمسة كيلومترات يومياً ليتمرس على أسرار التفصيل، رغم الصعوبات التي واجهها، بما في ذلك عدم وجود إضاءة أو سكان في الطريق المؤدي إلى منزله. كانت والدته، ربة المنزل، تقف في انتظاره كل مساء في مكان موحش مليء بالهش والأعشاب، لتأمين عودته الآمنة إلى قريتهم في كفر عكسر. هذه التجربة استمرت ثلاث سنوات، قبل أن يجد استضافة لدى أصحاب المحلات الذين أحبوه لإخلاصه.
مع مرور السنوات، تحول رائي من متعلم مبتدئ إلى أحد أبرز الترزيين في كفر الشيخ، حيث عمل لدى العديد من الشخصيات البارزة مثل السيد حمدي عبيد، المحافظ السابق، واللواء محمود وجدي، مدير الأمن السابق. يؤكد رائي أن مهنة التفصيل تتطلب جهداً عقلياً وبدنياً وفكرياً، مع الالتزام بإتقان الوقت والدقة. يفضل العمل اليدوي التقليدي، مستخدماً ماكينة سنجر الألمانية، التي رافقته لأكثر من ثلاثين عاماً، ويهتم بصيانتها كأنها جزء من تاريخه. كما أنه لم يقتصر دوره على الخياطة، بل أصبح معلماً لآخرين، مثل الحاج فتحى بدوي، الذي تعلم على يديه مباشرة.
في حياته الشخصية، ينسب رائي نجاحه لوالدته، التي كانت سنداً معنوياً له، مدعية له في كل خطوة. تزوج بعد خدمته العسكرية، وأسس عائلة من ستة أبناء حصلوا على تعليم عالي، لكن فقدان زوجته بعد 35 عاماً من الزواج جعله يتخلى عن فكرة الزواج مرة أخرى. يعيش الآن ببركة الدعوات، متعلماً من تجاربه أن الصبر والإيمان يمكن أن يحولان المهنة إلى تراث. على الرغم من التحديات الصحية التي واجهها، يظل رائي مصمماً على مواصلة عمله، رافعاً شعار أن الحب للمهنة يتجاوز العمر والصعاب.
تجربة الخياطة في محافظة كفر الشيخ
في سياق تطور مهنة الخياطة في كفر الشيخ، يمثل رائي سمرة نموذجاً للإرث المهني الذي يجمع بين التقاليد والابتكار. هذه المهنة لم تكن مجرد عمل يومي، بل كانت رحلة تعليمية واجتماعية، حيث انتقل رائي من معلمه إلى آخر، مع توصيات تجعل كل انتقال خطوة نحو الكمال. في تلك الفترة، كانت الخياطة تعتمد على المهارة اليدوية في مناطق نائية، مما جعلها مرتبطة بقصص الناس وتقاليدهم. اليوم، يرى رائي أن الخياطة في كفر الشيخ أصبحت جزءاً من التراث المحلي، حيث يفخر بأنه أدى دوره في تدريب جيل جديد من المتخصصين في تفصيل البدل والملابس الفاخرة.
تجربة رائي لم تقتصر على الفن الشخصي، بل امتدت إلى تأثيرها على المجتمع، حيث أصبحت قصته مصدر إلهام للشباب في المحافظة. يؤمن بأن المهنة تحتاج إلى تفاني لا ينتهي، خاصة في عصر الآلات الحديثة، لكن الفن اليدوي يظل الأصيل. في الختام، يبقى رائي سمرة شاهداً على أن الإصرار يمكن أن يحول حياة بسيطة إلى أسطورة، محافظاً على إرثه في كفر الشيخ كرمز للعزيمة والتفاني.
تعليقات