عندما قام الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بزيارته للمملكة العربية السعودية والمنطقة الخليجية، كانت هذه الزيارة تعكس تحولات كبيرة في السياسة الإقليمية، رغم أن لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع لم يكن ضمن الخطط الرسمية المعلنة. كان ترامب يُعرف بأنه يتخذ قراراته بناءً على مصالحه الشخصية ومصالح الولايات المتحدة، دون الالتزام بضغوط خارجية. ومع ذلك، فإن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لعب دوراً حاسماً في تشكيل هذه الزيارة، حيث رسم خططاً مدروسة للقاء ترامب مع الشرع، بعد أن أجرى بن سلمان مشاورات مسبقة مع القادة الإقليميين.
زيارة ترامب إلى الخليج: تحوّلات في السياسة الإقليمية
في هذه الزيارة، بدت الدبلوماسية السعودية كمحرك رئيسي لإعادة تشكيل الخريطة السياسية في الشرق الأوسط، حيث ساعد بن سلمان في تهيئة الأرضية لمكافحة الإرهاب وتعزيز التطبيع مع إسرائيل. كما التقى بن سلمان بالرئيس اللبناني آنذاك جوزاف عون، حيث حصل على تعهدات بشأن تعزيز الدولة اللبنانية وتقليص نفوذ “حزب الله”. هذا التنسيق امتد ليشمل الجانب الأمريكي، مما مهد الطريق للقاءات التي أحدثت تغييرات جذرية في المنطقة. كان إعجاب ترامب بالرئيس عون أمراً متوقعاً، نظراً لتاريخ عون كقائد للجيش اللبناني الذي حظي بدعم أمريكي سابق، لكن استقبال ترامب للشرع كان حدثاً استثنائياً. الشرع، الذي كان مطلوباً دولياً بتهمة الإرهاب، تمكن من إعادة صياغة صورته تحت مظلة الدعم السعودي، مما أدى إلى رفع العقوبات عن سوريا وإدماجها في الجهود العربية.
سرعان ما تحول الشرع من شخصية مثيرة للجدل إلى رمز للقيادة في سوريا الجديدة، وذلك بفضل جهود بن سلمان في إقناع الإدارة الأمريكية بأهمية تقييد نفوذ إيران ودعم قيام دولة فلسطينية تلبي حقوق الشعب الفلسطيني. كما شملت استراتيجية بن سلمان التنسيق مع تركيا بقيادة رجب طيب أردوغان، مما أدى إلى تعزيز الشراكات العربية والإسلامية في مواجهة التهديدات الإقليمية. هذه الخطوات أعطت فرصة للدول العربية لإعادة بناء نفسها، بعد سنوات من التخريب الناتج عن سياسات إيران والنظام السوري السابق. أما بالنسبة لسؤال كثيرين حول سبب عدم لقاء ترامب مباشرة مع عون بعد لقائه الشرع، فالإجابة تكمن في أن عون لم يحتج إلى شرعية إضافية، حيث كان قد حصل على الثقة الأمريكية مسبقاً، وأي لقاء محتمل سيكون تتويجاً لإصلاحات لبنانية شاملة.
لقاءات ترامب مع القادة العرب وآفاقها المستقبلية
من جانب آخر، كشفت زيارة ترامب عن ضعف فريق “الممانعة” في المنطقة، الذي يتضمن إيران وأذرعها مثل “حزب الله”. في هذا السياق، دعا ترامب صراحة اللبنانيين إلى التخلص من سلاح “حزب الله”، الذي اتهم بنهب الدولة وإضعاف استقرار بيروت. هذا النداء أعلن نهاية حقبة معينة، حيث أصبحت السعودية الضامن الرئيسي لاستقرار لبنان ومستقبل الجمهورية. الآن، يطرح السؤال نفسه: هل سيتكيف “حزب الله” مع هذه التغييرات ويغير مساره نحو بناء مشروع لبناني خالص، بعيداً عن التدخلات الإيرانية؟ هل سيسلم سلاحه ليسمح للبنان بالانضمام إلى مصاف الدول العربية القوية، التي تستقطب دعماً دولياً؟ هذه التساؤلات تفرضها التحولات في الشرق الأوسط الجديد، حيث يبدو أن الرد سيكون واضحاً في الأيام المقبلة. إما أن يقبل “حزب الله” بقيام دولة قوية، وإما أن تواجه المنطقة تحديات إضافية. في النهاية، تبرز هذه الزيارة كفرصة لإعادة رسم التوازنات، مع التركيز على السلام والاستقرار في المنطقة.
تعليقات