رحيل أفقر رئيس في العالم.. وفاة خوسيه موخيكا عن 89 عاماً

رحل خوسيه بيبي موخيكا عن عالمنا بعد معاناة طويلة مع مرض سرطان المريء، حيث بلغ عمره 89 عاماً. كان موخيكا، الرئيس السابق لأوروغواي بين عامي 2010 و2015، يُعرف بأسلوبه المتواضع الذي جعله رمزاً عالمياً للالتقاء بين السياسة والعدالة الاجتماعية.

خوسيه بيبي موخيكا: الرمز الدولي للتواضع

استمر تأثير موخيكا في عالم السياسة وأبعد من ذلك، فهو لم يكن مجرد زعيم يساري بل كان مثالاً حياً للالتزام بالقيم الإنسانية. خلال فترة رئاسته، ركز على تبسيط الحياة اليومية، حيث تبرع بنسبة كبيرة من راتبه الشهري البالغ 12,000 دولار لصالح الجمعيات الخيرية والمشاريع التنموية، محتفظاً فقط بما يكفي لنفقاته الشخصية. هذا الأسلوب جعله يُلقب بـ”أفقر رئيس في العالم”، رغم أنه كان غنياً بأفكاره التقدمية. عاش في مزرعة بسيطة خارج العاصمة مونتيفيديو مع زوجته لوسيا توبولانسكي، عضو مجلس الشيوخ، ورفض العيش في القصر الرئاسي، بل فضل قيادة سيارة قديمة من طراز فولكسفاجن بيتل.

كما أن خلفيته كمقاتل سابق في حركة توباماروس الثورية اليسارية شكلت جزءاً كبيراً من تاريخه، حيث قضى 14 عاماً في السجن خلال فترة الديكتاتورية العسكرية في أوروغواي بين 1973 و1985. واجه خلال تلك الفترة التعذيب والعزلة، لكنه عاد لاحقاً إلى الحياة السياسية مع عودة الديمقراطية، حيث شغل مناصب متعددة مثل وزير الثروة الحيوانية والزراعة بين 2005 و2008، ثم عضواً في مجلس الشيوخ قبل أن يفوز بالانتخابات الرئاسية عام 2009.

الزعيم اليساري المؤثر

في السنوات الأخيرة، عانى موخيكا من تشخيص مرض السرطان في المريء منذ ربيع 2024، حيث أعلن طبيبه في يناير 2025 عن عودة المرض وانتشاره إلى الكبد. رغم ذلك، قرر عدم مواصلة العلاج بسبب حالته الصحية المتدهورة ومعاناته من مرض مناعي ذاتي، مضيفاً في إحدى مقابلاته الأخيرة مع مجلة بوسكيدا: “أنا أحتضر، والمحارب يستحق الراحة”. أعلن رئيس أوروغواي الحالي، ياماندو أورسي، وفاة موخيكا مساء الثلاثاء عبر منصة “إكس”، واصفاً إياه بـ”الرئيس والناشط والقائد الملهم”، وقال: “سنفتقدك كثيراً أيها العجوز العزيز، شكراً على حبك العميق لشعبك”.

يظل موخيكا مصدر إلهام للعديد من الأجيال، ففلسفته اليسارية لم تكن مجرد كلمات بل انعكست في أفعاله اليومية. كان يؤمن بأن السياسة يجب أن تخدم الفقراء والمهمشين، وهذا ما جعله يدعم مشاريع التنمية المستدامة ويرفض الفساد والإفراط في الترف. تركيته في الساحة العالمية تجسد كيف يمكن لقائد أن يجمع بين الفعالية والتواضع، مما يذكرنا بأهمية العدالة الاجتماعية في عصرنا الحالي. على الرغم من وفاته، فإن فكره يستمر في إلهام الحركات الاجتماعية حول العالم، خاصة في أمريكا اللاتينية حيث كان نموذجاً للقيادة الشعبية.

تجسد قصة موخيكا دروساً قيمة عن الصمود والتضحية، حيث تحولت حياته من سنوات الكفاح إلى فترة من الإنجازات السياسية. لقد غيّر وجه أوروغواي من خلال سياساته التي ركزت على الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، مما جعل البلاد أكثر عدلاً ومساواة. يُذكر أن تراثه لن ينسى، فهو لم يكن رئيساً فقط، بل كان معلماً للعديد من الزعماء الشباب الذين يسعون لتغيير العالم. بهذا الشكل، يستمر تأثيره في بناء مستقبل أفضل، مما يعزز من قيمة التواضع في عالم يغلب عليه الطمع.