مشروع توشكي في مصر: من حلم التسعينات إلى إنجاز 2025

بعد أكثر من ربع قرن من إطلاقه، يمثل مشروع توشكى الخير في جنوب مصر نموذجًا فريدًا للتنمية الشاملة، حيث يجمع بين استصلاح الأراضي الشاسعة في الصحراء والإنتاج الزراعي والتكامل الصناعي، مما يدعم الأمن الغذائي ويحول الأحلام القديمة إلى حقائق ملموسة.

مشروع توشكى الخير

أطلق مشروع توشكى في يناير 1997 خلال عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، بهدف إنشاء دلتا زراعية جديدة عبر نقل مياه بحيرة ناصر إلى الصحراء الغربية من خلال ترعة الشيخ زايد. كان الطموح يهدف إلى استصلاح 1.5 مليون فدان خلال 20 عامًا، مع التركيز على استخدام المياه الجوفية والزراعة المستدامة، إلى جانب بناء مجتمعات زراعية وصناعية وتطوير الطرق الرئيسية. ومع ذلك، واجه المشروع تحديات مالية وهندسية، مما أدى إلى تعثره قبل 2010، حيث لم تتجاوز المساحات المزروعة سوى 6.6% من الخطة.

تنمية توشكى

في عام 2014، أعيد إحياء المشروع تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي ضمن استراتيجية الأمن الغذائي القومي، مع تفعيل دور الهيئة الهندسية للقوات المسلحة. تم تنفيذ خطة موسعة تشمل تشغيل محطات الطلمبات بطاقة 25 مليون متر مكعب يوميًا، وتطوير شبكات الري الحديثة مثل التنقيط والمحوري، وإنشاء طرق تربط المنطقة بأسوان والوادي الجديد. نتيجة لذلك، ارتفع حجم الأراضي المزروعة من 40 ألف فدان في 2014 إلى نحو 600 ألف فدان بنهاية 2023، مع خطط للوصول إلى 1.1 مليون فدان قريبًا.

أصبحت توشكى الآن مركزًا رئيسيًا للإنتاج الزراعي، حيث يتم زراعة محاصيل مثل القمح على 500 ألف فدان، مما ينتج أكثر من مليون طن سنويًا، بالإضافة إلى الذرة والفواكه التصديرية مثل التمور، التي تضم أكبر مزرعة نخيل في العالم على 37 ألف فدان. هذه الإنجازات ساهمت في تقليل الاعتماد على الاستيراد، حيث أصبحت منتجات توشكى تدعم مخزون القمح المحلي وتوفر مواد للصناعات الغذائية.

من جانب الاستثمارات، جذب المشروع شركات عربية ومصرية، بما في ذلك الشركات الإماراتية والسعودية، مما أدى إلى إنشاء فرص عمل لأكثر من 35 ألف شاب في المنطقة. كما تم توسيع الصناعات الزراعية، مثل إقامة مصنع لتحويل جريد النخيل إلى أخشاب بطاقة 400 متر مكعب يوميًا، بالإضافة إلى مصانع للأعلاف والزيوت النباتية، مما يعزز الاقتصاد المحلي.

على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، ساهم مشروع توشكى في خفض معدلات البطالة في صعيد مصر وتحسين الظروف المعيشية من خلال بناء مجتمعات عمرانية. كما أدى إلى زيادة الرقعة الخضراء، مما يحسن البيئة ويوفر نموذجًا قابل للتكرار في مناطق صحراوية أخرى. في النهاية، يبرز المشروع كقصة نجاح تنموي في الشرق الأوسط، حيث تحولت الإرادة السياسية إلى إنجازات حقيقية في الزراعة والتنمية الشاملة.