مناورة «إخوان» السودان المفضوحة
بقلم: عبدالمنعم سليمان
في أروقة السياسة السودانية، حيث تتداخل الحقائق مع الخداع، تبرز مناورة جديدة لجماعة الإخوان المسلمين في السودان كشاهد دامغ على فشل استراتيجياتهم السرية. هذه المناورة، التي كانت تخفي وراءها أهدافًا سياسية مترامية الأطراف، قد انكشفت أخيرًا أمام أنظار الشعب والعالم، مكشِّفةً عن وجه الجماعة الحقيقي: وجه التمويه والتآمر. في هذا المقال، نكشف اللثام عن هذه الحركة غير المسبوقة، ونحلل تداعياتها على مستقبل السودان.
خلفية جماعة الإخوان في السودان: تاريخ من التدخل والتسلط
منذ عقود، كانت جماعة الإخوان المسلمين جزءًا لا يتجزأ من المشهد السياسي السوداني. بدأت مسيرتها مع تأسيسها في مصر عام 1928، لكنها سرعان ما امتدت أذرعها إلى السودان، حيث استغلت الفراغات السياسية والاجتماعية لتغذية أفكارها الإيديولوجية. في عهد الرئيس الراحل عمر البشير، وصلت الجماعة إلى ذروت نفوذها، حيث سيطرت على مفاصل الدولة من خلال التحالفات مع الجيش والأجهزة الأمنية. لكن الثورة السودانية في 2019، التي أطاحت بحكم البشير، كشفت عورات الجماعة، وأجبرتها على الانسحاب إلى الظلال.
مع ذلك، لم تنتهِ قصة الإخوان هنا. خلال الفترة الانتقالية، سعى أعضاء الجماعة وأنصارها إلى إعادة رسم خريطة السلطة من خلال مناورات سرية، مستغلين الضعف في الهيكل السياسي الجديد. هذه المناورة المفضوحة، التي سنتحدث عنها بالتفصيل، تتمثل في محاولة الجماعة لاختراق المؤسسات الانتقالية، متجاوزين اتفاق جوبا للسلام واتفاقيات الفترة الانتقالية.
تفاصيل المناورة: كيف حاولوا التمويه والاختراق؟
مناورة الإخوان السودانية الأخيرة كانت مزيجًا من الخداع السياسي والتسلل الإعلامي. وفقًا لتقارير إعلامية ووثائق متسرِّبة، سعى الجماعة إلى تشكيل تحالفات خفية مع بعض السياسيين في الحكومة الانتقالية، بهدف السيطرة على مناصب رئيسية في الإدارة العامة والاقتصاد. كانت الخطة تتضمن استخدام المنظمات غير الحكومية المرتبطة بالجماعة كغطاء لتمويل حملات دعائية وتجنيد أفراد من الشباب، الذين يُعتقد أنهم سينخرطون في الانتخابات المقبلة كمرشحين مستقلين.
في الواقع، كشفت تحقيقات صحفية، مثل تلك التي نشرتها صحيفة "السوداني" ومنظمات دولية مثل هيومن رايتس ووتش، عن شبكة من التمويلات الخارجية التي تأتي من دول معروفة بدعم الإخوان، مثل قطر وتركيا. كانت هذه الأموال تُستخدم لشراء الولاءات ولتجنيد أفراد في الجيش والشرطة، في محاولة لإعادة إحياء العهد البائد. لكن المناورة فشلت بسبب تسرب وثائق سرية وشهادات من أعضاء سابقين في الجماعة، الذين فضحوا التفاصيل أمام الرأي العام.
ما يجعل هذه المناورة "مفضوحة" هو عدم احترافيتها مقارنة بمناورات الإخوان في ماضيهم. في السابق، كانت الجماعة أكثر دهاءً في اختيار توقيتها، لكن هذه المرة، حاولت الاستفادة من الفوضى السياسية الناتجة عن الصراع بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الثورة المدنية. النتيجة كانت كارثية؛ إذ أدت التعجل إلى كشف المخطط، مما أثار غضبًا شعبيًا واسعًا ودفع بعض الدول الداعمة لإعادة تقييم علاقاتها مع السودان.
التداعيات: خطر الإخوان على الاستقرار الوطني
فضح هذه المناورة ليس مجرد انتصارًا أخلاقيًا، بل هو تحدٍ للمستقبل الديمقراطي للسودان. الجماعة، التي تتبنى أيديولوجيات متطرفة تعتمد على السرية والتآمر، تهدد بإعادة البلاد إلى عصر الدكتاتورية. ففي حال نجاحها، كان من الممكن أن تؤدي إلى تفكك الاتفاقيات السلامية، وتعميق الانقسامات الإثنية والمذهبية، وإجهاض آمال الشباب الذين ضحوا في الثورة.
من الواضح أن الإخوان يتعلمون من أخطاءهم، لكنهم يظلون مصرين على استراتيجياتهم القديمة. هذا الفشل الأخير يعكس ضعفًا داخليًا في الجماعة، حيث أصبحت أكثر عزلة بسبب الضغوط الدولية والمحلية. ومع ذلك، يجب على القوى السياسية السودانية أن تتعامل بحذر مع هذه التنظيمات، فالسودان لم يعد يقبل باللعب بالكلمات أو الوعود الكاذبة.
خاتمة: الوقت للمساءلة واليقظة
في النهاية، مناورة الإخوان المفضوحة هي دليل قاطع على أن الشعب السوداني لن يقبل بأي محاولة للعودة إلى الوراء. يجب على الحكومة الانتقالية والجهات الدولية تعزيز آليات الشفافية والمحاسبة لمنع تكرار مثل هذه المناورات. كما يدعو ذلك إلى تعزيز الوعي الشعبي، ليكون الشعب نفسه حارسًا على مصيره.
في زمن يسعى فيه الكثيرون لإعادة تشكيل السودان، يجب أن تكون كلمة الشعب هي الأعلى صوتًا. لقد فضحت هذه المناورة كذب الإخوان، وأظهرت أن الديمقراطية الحقيقية هي الدرع الأمضى أمام التمويه السياسي.
عبدالمنعم سليمان
كاتب ومحلل سياسي متخصص في شؤون السودان والمنطقة العربية.
تعليقات