علماء أوروبيون يسعون جاهدين لتتبع ودراسة تأثيرات سقوط الأقمار الصناعية على الغلاف الجوي، حيث قاموا مؤخرًا بمهمة فريدة لمراقبة احتراق قمر صناعي في السماء. في سبتمبر 2024، انطلق فريق بحثي محترف على متن طائرة مجهزة بأحدث التكنولوجيا، بما في ذلك 26 كاميرا، من جزيرة القيامة لملاحقة لحظات اختراق القمر الصناعي “كلستر سالسا” للغلاف الجوي فوق المحيط الهادئ. هذه الجهود تهدف إلى جمع بيانات حول الانبعاثات الكيميائية الناتجة عن إعادة دخول هذه المركبات، مما يساعد في فهم كيفية تفاعلها مع الطبقات العليا من الجو، وهو أمر حاسم في ظل زيادة حركة المركبات الفضائية في الفضاء.
دراسة سقوط الأقمار الصناعية لتقليل تلوث الغلاف الجوي
خلال هذه المهمة، ركز العلماء على تسجيل التفاعلات الكيميائية التي تحدث عندما يدخل القمر الصناعي الغلاف الجوي بسرعات فائقة، مما يؤدي إلى احتراقه وإطلاق مواد مختلفة. على الرغم من التحديات المتمثلة في ضوء النهار الذي يعيق الرؤية، تمكن الفريق من توثيق لحظة تفكك القمر على ارتفاع يصل إلى 80 كيلومترًا، حيث بدأ في الانهيار، وتابعوا العملية حتى ارتفاع 40 كيلومترًا. النتائج التي قدمت في المؤتمر الأوروبي لحطام الفضاء كشفت عن إطلاق عناصر مثل الليثيوم، البوتاسيوم، والألمنيوم أثناء الاحتراق، وهذه المواد يمكن أن تؤثر سلبًا على طبقة الأوزون وتوازن المناخ. يُذكر أن أكسيد الألمنيوم، على سبيل المثال، يُعتبر مصدر قلق كبير بسبب دوره المحتمل في تآكل طبقة الأوزون وتغيير المناخ العالمي. هذه الدراسات تبرز أهمية مراقبة مثل هذه العمليات، خاصة مع تزايد إعادة إدخال الأقمار الصناعية، حيث لا يتم احتراق بعضها بالكامل، مما يؤدي إلى تراكم جزيئات معدنية في الغلاف الجوي.
تأثير المركبات الفضائية على التوازن البيئي
مع تكرار حالات سقوط الأقمار الصناعية، يبرز دور هذه الدراسات في تقييم الآثار البيئية طويلة المدى. على سبيل المثال، أقمار مثل “ستارلينك” مصممة للاحتراق الكامل، إلا أن بعض الجزيئات قد تبقى وتؤثر على الطبقات العليا من الغلاف الجوي، مما يعزز من مخاطر التلوث. في هذه المهمة، أسفرت الملاحظات عن أن بعض مكونات التيتانيوم من القمر الذي يزن 550 كيلوجرامًا ربما لم تتحرق تمامًا وسقطت في مياه المحيط الهادئ، مما يطرح أسئلة حول التأثيرات على الحياة البحرية والمناخ. يعمل الباحثون الآن على دمج البيانات المجموعة مع نماذج حاسوبية متقدمة لقياس الكتلة المفقودة أثناء الاحتراق وتحليل التفاعلات الكيميائية في الطبقات العليا من الجو. هذا النهج يساعد في توقع وتقليل المخاطر المرتبطة بالأنشطة الفضائية المتزايدة.
بالإضافة إلى ذلك، تمثل هذه المهمة سابقة علمية هامة، إذ كانت المرة الخامسة فقط التي يتم فيها رصد دخول قمر صناعي مباشرة من الجو. الفريق يتطلع إلى توسيع هذه الجهود مع الأقمار الشقيقة لـ”سالسا”، مثل “رمبا”، “تانجو”، و”سامبا”، المتوقعة لإعادة الدخول بحلول عام 2026. رغم التحديات التقنية مثل ضعف الرؤية أو تعقيد جمع البيانات، فإن هذه الدراسات توفر رؤى قيمة حول كيفية تأثير النشاط الفضائي على مناخ الأرض. في النهاية، يسهم هذا البحث في صياغة سياسات أكثر استدامة للاستكشاف الفضائي، مما يضمن حماية البيئة الجوية من التلوث الناتج عن هذه التكنولوجيا المتقدمة. بشكل عام، يؤكد هذا العمل على ضرورة التنسيق بين العلوم والسياسات لمواجهة التحديات البيئية الناشئة عن التقدم التكنولوجي.
تعليقات