يصادف أواخر هذا الشهر الهجري مرور خمسة وعشرين عامًا على وفاة الشاعر إبراهيم المرحبي، ذلك الصديق والزميل الذي ترك بصمته العميقة في عالم الشعر والإعلام. كان رحيله حدثًا مؤلمًا، لكن ذكراه تبقى حية في الأذهان، كأنه لم يغادر قط. في تلك الغرفة المكتبية الهادئة بجريدة البلاد، كنا نعيش يومياتنا بالكلمات، حيث كان المرحبي يجسد مزيجًا فريدًا من الخفة والعمق، يمزج بين الشعر والضحكة، وبين الحلم والواقع. كان يصل إلى العمل مزودًا بمزاجه الإيجابي، تعليقاته الساخرة، نصوصه الجديدة، وقلب مفتوح على الجميع. شخصية مليئة بالحب والعفوية، لكنها أيضًا مليئة بالشعر الذي يحفر في أعماق المجتمع.
إبراهيم المرحبي: الشاعر الذي أعاد صياغة الإبداع
في ربع قرن مضى كأنه لحظة، لم يغب وجه إبراهيم المرحبي عن الذاكرة، حيث كان نموذجًا نادرًا من الشعراء الشعبيين الذين لا يقفون عند حدود الغناء، بل ينقبون عن الطبقات المنسية في المجتمع. شعره كان مشبعًا بالأسئلة والرفض والاحتجاج، يحول الجوع إلى موقف، والفقر إلى فلسفة، والعجز إلى أغنية. لو استمر طريقه، لكان اليوم من أبرز الشعراء التميزًا في الخليج، يقود تحول القصيدة الشعبية من مرايا القبيلة إلى لغة المواطن، ومن الاحتفال بالرموز إلى كشف الهموم اليومية، ومن الزخرفة السطحية إلى العمق الإنساني. كان سيؤسس لخطاب شعري أكثر صدقًا وألمًا وإنسانية، بعيدًا عن التنميط والضجيج، مشحونًا بالأسى والبصيرة. لم يكن إبراهيم مجرد شاعر بل أحد ألمع المحررين في الأقسام الشبابية، يجمع بذكاء بين الكلمة الشعرية والإعلام، مما كان سيعزز حضوره كصوت فاعل في المجال.
الشاعر الراحل: إرث من الإبداع والإنسانية
رحم الله إبراهيم المرحبي، فقد كان شاعرًا في لحظة الانفجار الإبداعي. لو طال به العمر، لكان اسمه اليوم بين قائمة الرموز في الشعر العربي، لكنه غادرنا وهو في أوج إلهامه. ترك قصائد لا تشبه غيرها، تروي كل شيء في دفعة واحدة، ثم تتركنا نحن لنكمل المعنى في صمت. كان المرحبي ينتمي إلى سلالة نادرة من الشعراء الذين يعبرون عن هموم الناس بصدق، يحولون الآلام إلى أنغام تلامس الروح. في أيامه الأخيرة، كان يعمل على دمج الشعر بالإعلام باحترافية، مما يذكرنا بأنه لم يكن فقط فنانًا بل مبدعًا يؤمن بقوة الكلمة في تغيير الواقع. شعره، الذي كان ينبع من تجاربه الشخصية، يظل مصدر إلهام للأجيال اللاحقة، حيث يجسد الروح الإنسانية في أبهى صورها. النظر إلى تراثه يذكرنا بأهمية الشعر في التعبير عن العدالة والأمل، وكيف يمكن للكلمات أن تكون جسرًا بين الماضي والحاضر. كان المرحبي يرى في الشعر أداة للتغيير، ليس فقط للترفيه بل للتحرير من القيود الاجتماعية. هذا الإرث يستمر في إثراء الحركة الشعرية في الخليج، حيث أصبحت قصائده جزءًا من الذاكرة الجماعية. في كل مرة نقرأ فيها أشعاره، نشعر وكأننا نعاود التحدث معه، مستذكرين تلك الابتسامة التي كانت ترافق كلماته. رحيله لم يكن نهاية، بل بداية لتأثير أكبر، يدفعنا للتفكير في دور الشعراء في المجتمع. لذا، يظل إبراهيم المرحبي رمزًا للإبداع الذي يتجاوز الزمن، ملخصًا في قصائده فلسفة حياة تجمع بين الألم والأمل، بين الرفض والتفاؤل. هكذا، يستمر تأثيره في إلهام الشعراء الجدد ليواصلوا الطريق الذي رسمه، متسلحين بالصدق والعمق في كل كلمة.
تعليقات