منذ حرب 1948، شهد العالم العربي تطورًا في محاوره السياسية الرئيسية، حيث يبرز محور واقعي يعتمد على التعامل العملي مع التحديات، مقابل محور آخر كان يرتكز على المزايدة الشعبوية، لكنه تلاشى الآن، بينما يوجد محور نصف واقعي يستغل الشعارات لتغطية مشكلاته الداخلية، مثل الأزمات الاقتصادية أو الصراعات الداخلية، محولًا القلاقل إلى قضايا خارجية لتجنب المسؤولية الحقيقية.
الواقعية السياسية في المنطقة العربية
مع التسريبات الأخيرة، تبرز آراء متنوعة حول مصدرها، فمن الممكن أن يكون جهاز مخابرات يسعى لتشكيل الرأي العام العربي لتحقيق أهداف محددة، أو دولة تستفيد من أرشيف القذافي لإرباك المشهد الإقليمي وخلق حالة من الفوضى المتعمدة. هذه التسريبات، على الرغم من أنها قد تقدم جزءًا من الحقيقة، إلا أنها تعكس تغييرات جذرية في التحالفات، حيث أصبحت الدول تواجه ضغوطًا لتخفيف الأعباء السياسية التي كبلتها لعقود، مما أدى إلى تعقيدات واقتصادية واجتماعية متزايدة.
التدبير الواقعي في سياقات الإقليم
منذ الأحداث في السابع من أكتوبر، يشهد الإقليم انقلابًا حقيقيًا في السياسات، مع تحول العالم نحو واقع جديد يركز على الاقتصاد كمحور رئيسي، حيث أصبحت الحروب بالنيابة غير مقبولة، وواشنطن تدافع عن اقتصادها بقوة تذكر بحروب عالمية. الواقعية السياسية، التي قاومت الشعبوية لخمسة عقود، تبدو الآن في طريقها للانتصار، كما في حالة دول مثل الأردن والبحرين والمغرب، التي رغم اقتصاداتها المتوسطة، استغلت واقعيتها لتعزيز التنمية والتطور البنيوي. كذلك، السعودية مثل، ساهمت في قضايا عالمية مثل تحرير أفغانستان وإنهاء مجازر البوسنة، ودعمت القضية الفلسطينية لتحقيق اعترافات وإنشاء السلطة الفلسطينية.
مصر، من جانب آخر، قدمت نموذجًا للواقعية من خلال الرؤساء السادات ومبارك، الذين استعادوا أراضيهم مثل سيناء وطابا، في حين فشل آخرون مثل صدام حسين في فهم توازن القوى، مما أدى إلى هزائم كارثية كحرب الخليج. القذافي اتبع نهجًا مشابهًا من المواجهات والشتائم، بعيدًا عن الواقع، مما لم يحقق سوى الانهيار. في المقابل، الملك عبد العزيز تميز بحنكته في قراءة العالم بعد الحرب العالمية الثانية، مما أمن لمملكته مكانة دائمة. اليوم، يتطلب الوضع إعادة تشكيل المشهد السياسي بناءً على مبادئ الواقعية، ليتناسب مع عالم جديد يسيطر عليه الاقتصاد وتسريبات الغرف المغلقة، في محاولة لتجنب الاختناقات التي كبدت الأمة خسائر جسيمة.
تعليقات