نورة الكعبي: التراث جسر للسلام وصون الهوية في مناطق النزاع
في عالم يعاني من الصراعات والنزاعات المستمرة، يبرز التراث الثقافي كوسيلة قوية لبناء الجسور بين الشعوب وتعزيز السلام. تُعد السيدة نورة الكعبي، الوزيرة الاتحادية للشؤون الثقافية في الإمارات العربية المتحدة، رمزاً لهذا النهج، حيث أكدت من خلال عملها على أن التراث ليس مجرد ماضٍ تاريخي، بل هو أداة حية لصون الهوية وتعزيز التفاهم في المناطق المتضررة بالنزاعات. في هذا المقال، سنستعرض كيف تحولت الكعبي هذه الفكرة إلى واقع عملي، مستندين إلى جهودها ومبادراتها التي تركز على التراث كجسر للسلام.
التراث كأداة للسلام في مناطق النزاع
في خضم النزاعات، غالباً ما يُهدر التراث الثقافي، سواء كان ذلك من خلال تدمير المواقع التاريخية أو محو الإرث الثقافي كجزء من الحرب النفسية. ومع ذلك، ترى نورة الكعبي أن التراث يمكن أن يكون "جسراً للسلام"، كما أعلنت في العديد من المنصات الدولية. بالنسبة لها، التراث ليس قوة فاصلة، بل هو قوة جامعة تجمع بين الثقافات والشعوب، خاصة في المناطق المهددة بالصراع.
تُعزو الكعبي أهمية التراث في تعزيز السلام إلى قدرته على بناء روابط إنسانية. على سبيل المثال، في الشرق الأوسط حيث تشهد مناطق مثل سوريا والعراق نزاعات مدمرة، يُعتبر التراث الثقافي جزءاً من الهوية المشتركة. من خلال مبادرات مثل التعاون مع منظمة اليونسكو (الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة)، قادت الكعبي جهوداً لإعادة إحياء المواقع التاريخية، مثل مدينة الحضر في العراق أو معابد فلسطين، مما يساعد في إعادة بناء الثقة بين المجتمعات. هذه الجهود ليست مجرد إصلاح بنى، بل هي خطوات نحو الحوار، حيث يصبح التراث رمزاً للأمل والتعايش السلمي.
صون الهوية الثقافية في أوقات النزاع
يواجه سكان المناطق المتضررة بالنزاعات تهديداً مباشراً للهويتهم، فالنزاعات غالباً ما تستهدف الرموز الثقافية لإذهال الشعوب وضرب جذورها. هنا يبرز دور نورة الكعبي كمحافظة على الهوية، حيث أكدت في كلماتها أمام المنظمات الدولية أن "صون التراث هو صون للروح الإنسانية". في الإمارات، ركزت الكعبي على بناء مؤسسات ثقافية قوية، مثل متحف اللوفر أبوظبي، الذي يجمع بين التراث العالمي والإماراتي، مما يعكس كيف يمكن للتراث أن يحافظ على الهوية دون عزلها عن العالم.
في سياق النزاعات، تُعزز مبادرات الكعبي من خلال برامج مثل "التراث للسلام" التي ترعاها الإمارات، والتي تهدف إلى تدريب الشباب في المناطق المتضررة على حفظ التراث. على سبيل المثال، في أفريقيا وجنوب شرق آسيا، ساهمت الإمارات في مشاريع لحماية التراث غير المادي، مثل التقاليد الشفهية والفنون الشعبية، مما يساعد الشعوب على استعادة هويتها. هذه الجهود تذكرنا بأن الهوية ليست ثابتة، بل هي عملية ديناميكية يمكن تعزيزها من خلال الحفاظ على التراث، حتى في أشد الأوقات صعوبة.
أمثلة من عمل نورة الكعبي على أرض الواقع
لنأخذ مثالاً عملياً من جهود نورة الكعبي خلال الآونة الأخيرة. كانت الكعبي رائدة في مبادرة الإمارات لدعم إعادة إعمار المواقع التاريخية في اليمن، حيث تم ترميم معالم مثل مدينة صنعاء ضمن مشاريع مشتركة مع اليونسكو. هذه المبادرة لم تكن فقط تصليحاً معمارياً، بل كانت خطوة نحو تعزيز السلام عن طريق إعادة توحيد الشعب اليمني حول ماضيه المشترك. كما أن الكعبي، من خلال منصبها كرئيسة لللجنة الوطنية لليونسكو في الإمارات، دعت إلى تضمين التراث في اتفاقيات السلام الدولية، مما يجعل منه جزءاً لا يتجزأ من عمليات السلام.
بالإضافة إلى ذلك، ألقى كلامها في مؤتمر اليونسكو العالمي عام 2022 الضوء على أهمية الشراكات الدولية، حيث قالت: "التراث ليس ملكاً لشعب واحد، بل هو إرث إنساني يمكن أن يساهم في بناء عالم أكثر سلاماً". هذه الرؤية لم تلق تأييداً دولياً فحسب، بل ألهمت العديد من الدول لتبني نهج مشابه في مواجهة النزاعات.
خاتمة: نحو مستقبل أكثر أماناً
في النهاية، يمثل عمل نورة الكعبي نموذجاً مشرقاً لكيفية تحويل التراث من مجرد ذكريات ماضية إلى أداة فعالة للسلام وصون الهوية. في ظل التحديات العالمية، من النزاعات في أوكرانيا إلى الصراعات في الشرق الأوسط، يصبح واضحاً أن التراث يمكن أن يكون الرابط الذي يجمع الشعوب بدلاً من أن يكون مصدراً للانقسام. ندعو إلى دعم مثل هذه المبادرات، سواء من خلال الدعم الحكومي أو المشاركة الفردية، لنبني عالماً يحترم التنوع الثقافي ويعزز السلام.
في عالم يتغير بسرعة، يبقى التراث شاهداً على إصرار الإنسانية، ومع قادة مثل نورة الكعبي، يمكننا أن نأمل في مستقبل أكثر إشراقاً.
تعليقات